حب الحجاب والاعتزاز به

عنوان المقال: حب الحجاب والاعتزاز به

مقدمة

يمثّل الحجاب أحد أبرز الشعائر الظاهرة في حياة المرأة المسلمة، وهو ليس مجرد قطعة قماش توضع على الرأس، بل هو رمز إيماني وامتثال شرعي وسلوك قيمي يعكس التزام المرأة بعقيدتها وتعبيرها الصادق عن انتمائها إلى المنظومة الأخلاقية الإسلامية. ومع تنامي التحديات الثقافية والإعلامية التي تحيط بالحجاب في بعض المجتمعات، أصبح من الضروري التطرق إلى مسألة حب الحجاب من الداخل، لا بوصفه فرضاً فقط، وإنما باعتباره قناعة شخصية نابعة من تقدير الذات واحترام الأمر الإلهي. فحب الحجاب ليس شعوراً آنياً، بل هو بناء تربوي وإيماني متكامل.

الحجاب في النصوص الشرعية

جاء الأمر بالحجاب في القرآن الكريم صريحاً، حيث قال تعالى:

“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ” [الأحزاب: 59].

وقال تعالى أيضاً:

“وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا” [النور: 31].

فالحجاب تكليف شرعي بُنِي على أسس عقائدية وخلقية عميقة، وليس عُرفاً اجتماعياً أو موضة تتغير بتغير الأزمنة. وهو أيضاً شكل من أشكال التعبير عن العبودية لله، والانقياد التام لأوامره في تفاصيل الحياة اليومية.

جذور حب الحجاب في النفس

حب الحجاب لا يولد فجأة، بل يُبنى تدريجياً في النفس المؤمنة من خلال عدة مستويات متداخلة:

1. الفهم الصحيح للغرض من الحجاب: كثير من الفتيات يلتزمن بالحجاب دون فهم عميق لعلّته، ما يجعلهن يرين فيه عبئاً أو تقييداً لحرياتهن. بينما الواقع أن الحجاب يحمي الكرامة، ويضبط حدود العلاقات بين الجنسين، ويعزز من شخصية المرأة المسلمة ويجعلها معروفة بتقواها لا بمظهرها.

2. التنشئة الإيمانية المبكرة: حين تنشأ الفتاة على حب الله ورسوله، وتتعلم منذ الصغر أن الحجاب عبادة كالصلاة والصوم، فإنها تنشأ على حب هذا الركن دون أن تشعر أنه مفروض عليها بالإكراه.

3. الاعتزاز بالهوية الإسلامية: في عالم تتعدد فيه الثقافات، يصبح الحجاب رمزاً للثبات والانتماء إلى دين يُكرم المرأة ويجعلها جوهرة مصونة، وليس سلعة تجارية.

4. التوازن بين الإيمان والوجدان: لا يكفي أن تعرف المرأة أن الحجاب واجب، بل ينبغي أن تعيشه بمحبة وافتخار. وذلك من خلال إدراكها لقيمته النفسية والروحية والاجتماعية، وتأملها في أثره عليها وعلى من حولها.

العقبات النفسية والاجتماعية التي تُضعف حب الحجاب

لكي تحب المرأة حجابها، يجب أولاً التعرف على الأسباب التي قد تنفّرها منه أو تجعلها تشعر بالثقل تجاهه. ومن أبرز هذه الأسباب:

• الضغط الاجتماعي أو الإعلامي: في كثير من البيئات التي تتأثر بالثقافة الغربية، يُنظر إلى الحجاب كرمز للتخلّف أو القمع، مما يولّد لدى الفتاة المسلمة شعوراً بالنقص أو الانعزال.

• غياب القدوة: حين تفتقد الفتاة لأمهات أو معلمات أو شخصيات نسائية بارزة يلتزمن بالحجاب عن حب وقناعة، يصعب عليها أن تبني هذا النموذج في نفسها.

• الربط بين الحجاب والتشدد: قد تعاني بعض الفتيات من خطاب ديني قاسٍ يربط الحجاب بالعقوبة أو الجحيم، دون إبراز جانبه الروحي الجميل، مما يجعل العلاقة معه مبنية على الخوف وليس الحب.

• التجارب السلبية مع المتدينين: قد يؤدي السلوك المنفّر من بعض المحجبات أو الدعاة إلى زعزعة قناعة الفتاة بالحجاب، إن لم تكن محصنة بفهم ووعي مستقلين.

خطوات عملية لتعزيز حب الحجاب

1. التربية الذاتية والقراءة

القراءة في كتب العقيدة، وتفسير الآيات التي تتحدث عن الحجاب، وسير الصحابيات، تولّد حباً عميقاً للحجاب، لأنه حين تعرف الفتاة أن الحجاب كان شعار نساء الجنة، وسمة الفاضلات، فإنها تشعر بالفخر بارتدائه. كما أن القراءة تعزز من الإدراك العقلي والمعرفي للحجاب وتبعد عنه النظرة السطحية.

2. الصحبة الصالحة

مرافقة فتيات محجبات عن حب وقناعة أمر بالغ الأهمية، فالمحيط الاجتماعي الإيجابي يدعم القرار ويعزز الشعور بالثبات. كما أن وجود بيئة تُقدّر الحجاب وتفرح به يُخرج الفتاة من دائرة التردد ويقوي انتماءها للحجاب.

3. تقوية العلاقة بالله

عندما يكون الحجاب نابعاً من حب الله، فإن كل ما يُقدم فيه يصبح محبوباً للنفس. فالصلاة والدعاء وقراءة القرآن تقوّي الصلة بالخالق وتجعل القلب أكثر طواعية لأوامره، ومنها الحجاب.

4. تجميل الظاهر والباطن

الحجاب لا يعني الإهمال في المظهر، بل هو دعوة للتألق بنقاء الروح وجمال الأخلاق، دون أن يتعارض ذلك مع ترتيب الهيئة ولبس الجميل المحتشم. إن الحفاظ على أناقة المرأة في حدود الشرع يجعلها تشعر بالانسجام بين حب الحجاب وحب الجمال.

5. تصحيح الصورة الذهنية

من المهم أن تتخلص الفتاة من التصورات الخاطئة التي تروّج لها بعض وسائل الإعلام عن الحجاب، وأن تستبدلها بصور واقعية لنساء ناجحات ومؤثرات ارتدين الحجاب وحققن إنجازات عظيمة في الطب والعلوم والدعوة والمجتمع.

أثر حب الحجاب في حياة المرأة

حين يتحول الحجاب من التزام ظاهري إلى مشاعر حب داخلية، تنعكس هذه المحبة على سلوك المرأة وتفاعلها مع المجتمع:

• ثقة بالنفس عالية: لأن المرأة تعرف أن قيمتها لا تُقاس بشكلها، بل بعلمها وخُلقها والتزامها.

• استقامة السلوك: فالحجاب يدفع المرأة إلى تجنب ما لا يليق بمظهرها، فيُهذب ألفاظها ونظراتها وتصرفاتها.

• هدوء نفسي: حب الحجاب يمنح الفتاة سكينة وراحة داخلية، لأنها تعلم أنها تسير في طاعة الله، وتحمل هويتها بثبات.

• تأثير إيجابي على من حولها: المرأة المحجبة بمحبة تبث طاقة روحية لمن حولها، وتكون قدوة ناطقة لغيرها من الفتيات.

مقارنة بين الحجاب المفروض والحجاب المحبوب

نماذج مشرقة من حب الحجاب

عبر التاريخ الإسلامي ظهرت نساء جسّدن حب الحجاب قولاً وفعلاً، ومنهن:

• أسماء بنت أبي بكر، التي كانت في قمة التزامها بالحجاب والحياء، حتى أنها لما كبرت وطلب الخليفة رؤيتها، رفضت أن تراه دون حجاب رغم كِبر سنها.

• نساء الأندلس، حيث وثقت الكتب كيف كنّ يتحجبن بالحِرَف والجَلابيب، رغم انفتاح المجتمع الأندلسي وثقافته المزدهرة.

• المعلمات والداعيات المعاصرات، حيث نرى اليوم آلاف النساء المحجبات اللواتي يعملن في الجامعات والمؤسسات ويتحدثن بلغات عالمية ويتركن أثراً رائعاً في محيطهن.

خاتمة

حب الحجاب لا يُمنح، بل يُبنى، ويتشكل عبر التربية، والفهم، والتجربة، والإيمان. وهو ليس فقط قطعة تُلبس على الرأس، بل هو شعور بالانتماء إلى نهج عظيم، وسلوك يعكس جوهر التوحيد والطاعة، وانعكاس لقيمة المرأة في ميزان الإسلام. وكلما تعمّق هذا الحب في القلب، كان الحجاب نبعاً من النور، لا مجرد ستر للبدن، وكان طريقاً للارتقاء في مدارج القرب من الله عز وجل.

المراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة.

2. الغزالي، إحياء علوم الدين، دار المعرفة.